أخبارتامين

تحولات صناعة التأمين العالمية: التكنولوجيا تعيد رسم المشهد

كتبت : شمس وليد

تشهد صناعة التأمين العالمية تحوّلًا جوهريًا مدفوعًا بالتغيرات الاقتصادية المتسارعة وتزايد تطلعات العملاء نحو حلول أكثر تخصيصًا وتجارب رقمية متكاملة وخدمات وقائية تتجاوز التعويض التقليدي عن الخسائر. لم يعد العملاء يكتفون بالحماية المالية فقط، بل يبحثون عن شراكة استراتيجية مع شركات التأمين تعزز أمنهم واستقرارهم على المدى الطويل.

تدفع هذه التحولات شركات التأمين إلى إعادة ابتكار نماذج أعمالها وتبني استراتيجيات تشغيلية مرنة تعتمد على تقنيات متقدمة تشمل الذكاء الاصطناعي، تحليلات البيانات المتقدمة، إنترنت الأشياء، والتكنولوجيا التأمينية (InsurTech). هذه التقنيات تمكّن الشركات من التكيف مع تحديات متزايدة مثل تغيّر المناخ، وتطور الأخطار الإلكترونية، وارتفاع توقعات العملاء للحصول على تجارب مخصصة وسلسة.

يبرز التحول الديموغرافي كعامل حاسم في إعادة صياغة احتياجات السوق. تزايد نسبة الفئة العمرية فوق الخمسين عامًا، وتغير أنماط الحياة، وتراجع معدلات الزواج والخصوبة، كلها عوامل تفرض تطوير منتجات وخدمات تلبي متطلبات هذه الفئات. كما يلعب جيل “زد” دورًا محوريًا بتفضيله التخطيط المستقبلي والاستدامة، واعتماده على القنوات الرقمية في الحصول على المعلومات، ما يستلزم حلولًا تأمينية تتماشى مع نمط حياته المتسارع والتفاعلي.

أدت التحديات العالمية الأخيرة، ومن أبرزها تداعيات جائحة كوفيد-19، إلى بروز أخطار جديدة تشمل تغير المناخ والهجمات الإلكترونية والمتغيرات الصحية. استجابةً لذلك، تتحول شركات التأمين من نموذج “التعويض بعد الضرر” إلى نموذج “الإدارة الاستباقية للأخطار”، حيث تقدم حلولًا وقائية، واستشارات متخصصة، وتقنيات تنبؤية تُمكّن من رصد المخاطر مبكرًا والحد من تأثيرها قبل وقوعها.

تشهد الصناعة تحولًا نحو تقديم تجارب عميل عالية المستوى تعتمد على التخصيص الفائق وسلاسة الخدمات. أصبح نموذج “منتج واحد يناسب الجميع” غير كافٍ، لتتجه الشركات نحو تحليلات بيانات متقدمة لفهم سلوك العملاء وتصميم عروض تأمينية دقيقة تلبي احتياجاتهم الفردية.
كما ساهمت الرقمنة والأتمتة في تبسيط العمليات بدءًا من شراء الوثائق وحتى معالجة المطالبات الفورية، مع توفير تجربة موحدة عبر القنوات المختلفة من تطبيقات الهاتف إلى المنصات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي.

تلعب الابتكارات التقنية دورًا محوريًا في إعادة تشكيل الصناعة، حيث يعزز التيلمتكس تسعير التأمين بناءً على البيانات الفعلية لسلوك القيادة، فيما ترفع تقنية البلوكتشين مستويات الشفافية والأمان من خلال سجلات غير قابلة للتعديل، وتبسط العقود الذكية معالجة المطالبات في نماذج مثل التأمين البارامتري.
كما يتيح إنترنت الأشياء (IoT) جمع بيانات لحظية من أجهزة منزلية وصناعية قابلة للارتداء، لدعم الوقاية الاستباقية وتقليل احتمالية وقوع الأخطار.

تظهر نماذج واقعية لهذا التحول، مثل مبادرة MyStrongHome في الولايات المتحدة، التي تمزج بين التأمين وتدابير تحسين المنازل لتقليل الخسائر المحتملة وخفض الأقساط، أو حلول التأمين البارامتري في إسبانيا والولايات المتحدة، التي تتيح صرف التعويضات فور تحقق مؤشرات مثل شدة الأعاصير أو معدلات الأمطار.
كما تبنت بعض الشركات الأمريكية روبوتات محادثة ذكية لتحسين تجربة العملاء وتقديم تسعير مخصص وتنفيذ المطالبات آليًا.

رغم الفرص الواعدة، تواجه شركات التأمين تحديات هيكلية نتيجة الاعتماد على أنظمة قديمة وبنية تحتية معقدة. غير أن هذا التحدي يمثل في الوقت نفسه فرصة استراتيجية لتحديث الأنظمة والتحول إلى بيئة تقنية مرنة وآمنة وقابلة للتوسع، مثل اعتماد الحوسبة السحابية، ما يعزز القدرة على اتخاذ قرارات دقيقة بناءً على بيانات متقدمة ويخفض التكاليف التشغيلية.

تشير هذه التحولات إلى أن شركات التأمين لن تقتصر في المستقبل على دورها التقليدي كمقدم للحماية المالية، بل ستتحول إلى شريك استراتيجي في حياة العملاء، يقدم قيمة مضافة مستمرة، ويقود الابتكار في المنتجات والخدمات، ويعتمد على التكنولوجيا كركيزة أساسية لتعزيز مرونة الصناعة وكفاءتها في مواجهة التحديات القادمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى