
كتبت : شمس وليد
شهد قطاع التأمين تحولاً جذرياً مع دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح جزءاً أساسياً من العمليات التشغيلية، بدءاً من تقييم المخاطر والاكتتاب، مروراً بمعالجة المطالبات، وصولاً إلى خدمة العملاء. هذه التقنيات أسهمت في رفع كفاءة ودقة الإجراءات، من خلال تحليل كميات ضخمة من البيانات وتقديم تقييمات دقيقة للمخاطر، ما مكن الشركات من تسعير الوثائق بشكل عادل وكشف محاولات الاحتيال بسرعة وفعالية.
ومن أبرز التحديات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي “البطالة التكنولوجية” الناتجة عن استبدال المهام البشرية بالأنظمة الذكية، إضافة إلى اتساع فجوة المهارات بين ما يملكه العاملون وما تتطلبه الوظائف الجديدة. كما يثير الذكاء الاصطناعي قضايا تتعلق بالعدالة الاجتماعية والتحيز في الخوارزميات، إلى جانب مخاطر متزايدة في الأمن السيبراني وأخلاقيات استخدام التقنية.
في المقابل، يوفر الذكاء الاصطناعي فرصًا لزيادة الإنتاجية والكفاءة عبر أتمتة المهام الروتينية، وإطلاق مجالات عمل جديدة في تحليل البيانات والأمن السيبراني وتطوير الأنظمة الذكية. كما يسهم في تحسين جودة الحياة من خلال حلول مبتكرة في الصحة والنقل والتعليم، ويعزز الابتكار والنمو الاقتصادي.
يشير صندوق النقد الدولي إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يؤثر على 40% من الوظائف عالميًا، وترتفع النسبة إلى 60% في الاقتصادات المتقدمة، فيما تصل إلى 26% فقط في الدول منخفضة الدخل. أما المنتدى الاقتصادي العالمي، فيتوقع بحلول 2025 خلق 170 مليون وظيفة جديدة مقابل إلغاء 92 مليون، بصافي نمو 78 مليون وظيفة.
ووفقًا لتقديرات جولدمان ساكس، قد يستبدل الذكاء الاصطناعي نحو 300 مليون وظيفة بدوام كامل، بينما تشير دراسات ماكينزي إلى ضرورة الاستثمار المكثف في تطوير المهارات لمواكبة التحولات. وتكشف دراسة لمايكروسوفت أن الوظائف المعتمدة على اللغة وخدمة العملاء هي الأكثر عرضة للاستبدال، فيما تبقى الوظائف البدنية المتخصصة الأقل تأثرًا.
كما مكّن الذكاء الاصطناعي شركات التأمين من تقديم منتجات وخدمات مخصصة، مثل وثائق السيارات المعتمدة على سلوك القيادة أو التأمين الصحي المبني على نمط الحياة، مما عزز ولاء العملاء وزاد من جاذبية المنتجات. وفي مجال إدارة الكوارث، ساعدت الخوارزميات في التنبؤ بالتأثيرات المحتملة للكوارث الطبيعية وتحديد المناطق عالية المخاطر، مع التأكيد على أهمية الدمج بين التقنية والخبرة البشرية.
على صعيد الوظائف، فتح الذكاء الاصطناعي الباب أمام أدوار جديدة، مثل علماء البيانات، ومهندسي النماذج الذكية، وخبراء الأخلاقيات، مع تغير طبيعة العديد من الوظائف الحالية لتتركز على المهارات الإنسانية مثل التفكير النقدي، الإبداع، والتواصل الفعّال. وأكدت الدراسات أن الاستثمار في إعادة صقل وتطوير المهارات الرقمية والناعمة سيضمن جاهزية القوى العاملة لمواكبة هذه التغيرات.
وفي هذا السياق، شدد اتحاد شركات التأمين المصرية على أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة لتعزيز الكفاءة والابتكار، وليس تهديداً للوظائف. وأكد الاتحاد على ضرورة التوازن بين تبني التكنولوجيا والحفاظ على العنصر البشري كركيزة أساسية، من خلال الاستثمار في التدريب، وتأهيل الكوادر، وضمان تحول رقمي عادل ومسؤول. ويرى الاتحاد أن مستقبل الصناعة يكمن في التكامل بين قدرات الذكاء الاصطناعي التحليلية والخبرة البشرية المتميزة لتحقيق الاستدامة والنمو.




