ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن عيد الفقراء, وقد يبدو المصطلح غريب على المتلقي فهل للفقراء عيد يختلف عن عيد الأغنياء؟ وهنا قد يتبادر إلى ذهن الكثيرين ولأول وهلة أنني سوف أتحدث عن عيد الفطر المبارك الذي سيحل علينا غدا بإذن الله, وكيف يستقبله الفقراء من المسلمين؟ وفي المقابل كيف يستقبله الأغنياء؟ وعندما أعلنت عن المقال على حسابي الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تلقيت العديد من التعليقات تؤكد أن حكومات الدول الإسلامية لا تعرف شيء عن معاناة الفقراء في عيدهم, وهناك من ذهب إلى أن الحكومات تعلم ولكنها تغض بصرها عن تلك المعاناة, وهناك من أكد على أن الحكومات تقف في صف الفقراء بالكلام المعسول فقط في حين أن سياساتها تعمل على زيادة معاناة هؤلاء الفقراء وليس العكس.
وبالطبع عندما يضع الكاتب عنوان لمقال سيكتبه تكون فكرة المقال متبلورة في ذهنه بشكل كامل أو شبه كامل, وليس بالضرورة أن تكون الفكرة المتبلورة في عقل الكاتب هى نفس الفكرة المتبلورة في عقل القارئ الذي يتلقى العنوان ولأول وهلة, فقد تقترب أو تبتعد وفقا لرؤية كل متلقي, وهو ما حدث بالفعل في هذا المقال, فما أقصده بعيد الفقراء والذي لا تعرفه الحكومات ليس عيد الفطر الذي سنستقبله غدا وليست معاناة الفقراء من الشعوب الإسلامية خلال أيام العيد, لكن المقصود هنا أبعد وأعمق من ذلك, عيد الفقراء هو أحلامهم ومطالبهم المشروعة التي ثاروا من أجلها كثيرا ورغم ذلك لم يتحقق منها شيء حتى اللحظة, عيد الفقراء هو ذلك اليوم الذي يتحقق فيه العيش الكريم والعدالة الاجتماعية.
كم من أعياد مرت على الفقراء والكادحين والمهمشين من الشعوب الإسلامية ولم يشعروا بها ولم تملئ الفرحة قلوبهم, بل انكسرت نفوسهم وتحطمت أمالهم وأحلامهم وازدادت معاناتهم عبر سنوات طويلة كانت سياسات حكومات بلدانهم المتتالية تسعى لتكريس الظلم الاجتماعي والانحياز المطلق للأغنياء على حساب الفقراء فتحولت أيام فئة قليلة من المسلمين إلى أعياد مستمرة, مقابل تحويل أيام الغالبية العظمى من المسلمين إلى سواد حالك, وهو ما أدى في النهاية إلى نفاذ صبر الفقراء والكادحين والمهمشين في بعض البلدان فخرجوا للإطاحة بالمسئولين عن تحويل أحلامهم إلى كوابيس, ونجحوا في ذلك – كما توهموا – في بعض البلدان وعادوا إلى بيوتهم ينتظرون قدوم العيد, لكنهم انتظروا طويلا والعيد لم يأتي بعد.
ومع كل خروج وانتفاضة للفقراء في مواجهة الحكومات, يعود الفقراء لبيوتهم ينتظرون قدوم عيدهم, ومع مرور الوقت تتبدد أمالهم وأحلامهم فالحكومات الجديدة دائما تعد بما لا تستطيع تحقيقه فقط يقومون بطمأنة الفقراء والكادحين والمهمشين بأنهم يسعون لتحقيق مطالبهم المشروعة في العيش الكريم والعدالة الاجتماعية, وهى عيدهم الحقيقي الذي طال انتظاره, لكن وللآسف الشديد لا تتم ترجمة هذه الأقوال إلى أفعال في الواقع الملموس, فكلها وعود وهمية, فالسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها الحكومات تباعد بين الفقراء وعيدهم وليس العكس, فغالبية الحكومات ليس لديها جديد لتقدمه ولازالت تعتمد في رسم سياساتها وبرامجها على مجموعة من المنتفعين من السلطة والذين يسيطرون على مقدرات الاقتصاديات الوطنية ويطلقون على أنفسهم مصطلح رجال الأعمال وهؤلاء هم سبب كل ما حل بالفقراء من بلاء باعد بينهم وبين عيدهم, لذلك يأتي سؤالنا المشروع, عن عيد الفقراء .. وهل تعرفه الحكومات ؟!
وهنا تأتى الإجابة واضحة لا لبس فيها وهى أن الحكومات لا تعرف ما هو عيد الفقراء أنه اليوم الذي انتظروه لسنوات طويلة ولم يأتي بعد, أنه اليوم الذي ستبدأ فيه الاطاحة بسياسات الحكومات المتعاقبة, تلك السياسات الرأسمالية الفاشية المنحطة التي تعمل على تكريس فقر الفقراء وغنى الأغنياء, إن الاطاحة بهذه السياسات لا يمكن أن تتم إلا بصدام حقيقي مع رجال الأعمال الذين يسيطرون على الاقتصاديات الوطنية في غالبية مجتمعاتنا الإسلامية والذين تستعين بهم الحكومات في إدارة شئون البلاد لأنهم هم الذين يقفوا حائلا بين الفقراء وعيدهم, فمتى تأتي حكومات وطنية حقيقية تعلن انحيازها التام للفقراء والكادحين والمهمشين, وتحول الوعود الوهمية إلى سياسات وبرامج واقعية تأتي للفقراء بعيدهم, لقد تعب الفقراء من الانتظار ولم يعد لديهم مخزون من الصبر وخروجهم القادم في أي مجتمع قد يكون مدمرا, اللهم بلغت اللهم فاشهد.