أخبارمقالات

حوار_الذات

بقلم / محمد حمدى النجار

في انتظارِ خُلوِّ مكانِي المفضل على أحد أطرافِ المقهى .. وبكل قُواي الداخليةِ ولا يظهرُ عليّ شئٌّ خارجي أستحثُ الجالسَ للنهوضِ من هذا المكانِ لأجلسَ؛ لأنتظر ..
فملخص ُالحياة عندي أنني أنتظرُ؛ لأنتظرَ..
ولكن ماذا أنتظر؟!.
بعد رشفةِ الشاي هذي سأحاول الإجابة:

فقد انتظرتُ هنا لسنواتٍ وسنوات ولازلتُ أنتظرُ لقاءَ صديقٍ طالَ غيابُه، أو نظرةً من حبيبٍ ترممُ روحيَّ وتُهدأُ من رَوْعي،
كابدتُ شوقَ انتظارِ أميرةٍ _تمرُ بسرعةِ سبعٍ وخمسين كيلو مترًا على الطريقِ بجانبي_ وتزينُ جبهتَها نَجْمَتُها الثلاثيةُ، تَرْنُو إليَّ بعينين لامعتين، وبسمةٍ خَفيةٍ، وأنظرُ إليها نظرةً موصولةً خاطفةً للحظاتٍ أتوه في عينيها، وما بينَ عيناي وعينيها بحرٌ عميٌق من الحبِ والوصلِ والوئام، وقُربَ المسافةِ، وبُعدَ المنال، أنْتشي من رائحةِ مُرورِها الطيبةِ للحظةٍ ونعومةِ أَزيزها، وسرعانَ ما يذهب ُالطِّيبُ من أنفي وأذني، وتسكن ُمرارةُ الفقدِ رُوحي مرة أخرى.

فَلِتوي أفقدُ، وأعاودُ رحلةَ الانتظار.
سُحقًا لها من رحلة؛ ففي انتظاري هذا، أنتظرُ حجرَ مِعسلٍ بمذاقِ ونكهةِ البداياتِ، فلم يعدْ للدُّخان مذاقَهُ كما كانت البداية، فَغِشُ المعسلِ ياصديقي أضحى قاعدةً لا استثناء، أو لربما طولُ انتظاري أفقدَني مُتعةَ الأشياء.

أنتظر عبرَ السنوات _منذ اشتريتُ هاتفًا_ مكالمةً تُثلجُ صَدري، ولكنها لم تأتِ بعد….. لا أعلمُ ممن ،ولا ماذا ستحملُ في طياتها؟! … فلربما تحملُ البشرى، واهًا…. ولكن بُشْرى ممن؟!.. وعمن؟!.. ولمن؟!… والله؛ لا أعلم.
المُهمُ أني في انتظارها.

الانتظارُ يا صديقي أمرٌ مؤلم، تَذَكَرْ انتظارَك في عيادةِ طبيبِ الأسنان أو الباطني أو ماشابه، فهوً انتظارٌ على صفيحٍ ساخن يحملُ الألمين مع أنه انتظارٌ لمعلومٍ، فما بالك بانتظارِ المجهول.
أتذكرُ الآن أنني هنا لسنواتٍ وسنواتٍ في انتظار المجهول.
أمتعضُ بمجرد التذكر وأسألُنِي:
-أيّ مجهولٍ تنتظر ؟!
فأردُ: يالك من غبي، اسمه مجهول كيف لك بمعرفته.
أُمْعنُ التفكير وأتحدى نفسي لنفسي كي لا أكونَ غبيًا أمامها، وأحاول تَخْمينَ هذا المجهول، وأصلُ إلى ذلك الباهر.
الباهر ، نعم .. نعم الباهر، أي المستقبل الباهر كما تنبأَ لي كثيرٌ من أستاذِتي وأقرانِي وبني جِلْدتي، ولكنَّ الباهرَ لم يأتِ بعد.
ربما أتى، ولم تُدٌركهُ ربما…
-ويحك.. كيف ذلك؟!، ولم تغفو عيناي عنه لحظة، كيف؟
هون عليك، أتى الباهرُ أو لم يأتِ فأنت في الانتظار.

-نعم: ولكن الانتظار َأصبح بلا طعم بلا لون بلا رائحة بلا شوق، حتى أنفاسُك لاتقوى على أخذها بعمق، لا تتشبعُ بها رئتاك.
طولُ الانتظارِ يا عزيزي… يُفْقدُكَ الصبرَ يجعلُكَ بلا أخلاق، يَجعلُكَ سليطَ اللسانِ يُفقدُكَ أُلفةَ الأشياء، يُفْقِدُك الشَّغف، وكنت أسمعُ عن فقدان الشغف، ولكن مذاقَ الفقدانِ الآن يتشبعُ به الحَلْقُ بل كلُّ خلايا الجسدِ، ويتوغلُ داخلَ الروحِ ويهشمُها.

طولُ الانتظارِ يُشتتُ الفكرَ ، يمحو الذاكرة، فلقد نسيتُ كلَّ أحلامي حقًا… لم أعدْ أذكرُ أيَّ حُلمٍ أنتظرُ
يا هذا إن الأحلامَ لا تُنْتظرُ
_أعرف… أعرفُ جيدًا ما ستقول ياصديقي: “الأحلامُ لابد وأن تسعى لتحقيقِها بالصبر والاجتهاد والعمل الجاد والكفاح والسعي”.

انتفضَ صدري عن قهقهةٍ حبيسةٍ في ذاتي وضحكتُ ضحكاتٍ ساخرةً وسخيفةً معبأةً بالكثير والكثير والمثير، وأنا أقولُ -ههااأ- السعي….، ما هو السعي؟ ماذا يعني السعي؟

ورَدَّدُتُ قولَ حافظٍ _طيب الله ثراه_.

سَعَيتُ إِلى أَن كِدتُ أَنتَعِلُ الدَما
وَعُدتُ وَما أُعقِبتُ إِلّا التَنَدُّما

دعنا من السعي الآن، فلربما أكتبُ عنه مجلداتٍ فيما بعد،
اعذرني يا صديقي أرجوك ألا تعلقَ على السعي، ولا تُربتْ على كتفي من أجله، ولا تمصمصْ بشفتيك من أجلي، فلو سعيتَ ربعَ ما سعيتُ أنا، وعدتَ خاليَّ الوفاضِ مثلي، ربما تخرجُ عن المِلة، أما أنا فعدتُ سبابًا لعانًا فقط، وهذا هينٌ لعل له من رجعةٍ متابًا.
فلنعدْ كما كنا في الانتظارِ هادئين مبتسمين، واعلم يا صديقي أنك إن وصلت بالقراءة إلى هنا … فقد وهِبت شيئًا من الصبرِ، وحنكةِ الانتظار فلك إذًا أن تعلقَ عليه، ولك صورتي أُظهرَ لك فيها بسمتي فهذا حقُك علي، وإن وددتَ مجالستي وليا الشرف، فأنت تعرفُ مكاني هناك…. نعم … هناك على المقهى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى