ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن مستقبل جماعة الإخوان الإرهابية, فمنذ الإطاحة بالجماعة من سدة الحكم فى مصر فى 30 يونيو 2013 ونحن نحاول استشراف مستقبلها, وحددنا في مقالات سابقة الخيارات المتاحة أمام الجماعة باعتبارها أحد القوى الاجتماعية والسياسية الفاعلة على الساحة المجتمعية المصرية والعربية, فهذه حقيقة سواء قبلها البعض أو حاول إنكارها, ولعل محاولات الإنكار هى ما أوصلنا للحالة الراهنة التى تمددت فيها الجماعة واتسع نفوذها حتى كادت تبتلع الوطن العربي, حين تمكنت من الوثوب للسلطة فى عدد من الدول العربية في لحظة فارقة من تاريخ الأمة.
فأخطاء السلطة السياسية داخل البلدان العربية في التعامل مع هذه الجماعة الإرهابية على مدار ما يقرب من نصف قرن كان سببا في ما وصلنا إليه الآن من مواجهة شاملة مع هذه القوى الإرهابية, ففي مصر على سبيل المثال ظن السادات أنه بإمكانه القيام بثورة مضادة لثورة 23 يوليو 1952 يتخلص على أثرها من خصومه السياسيين من الناصريين والشيوعيين فاستعان على الفور بخصمهم العنيد جماعة الإخوان الإرهابية فأخرجهم من السجون والمعتقلات وأطلق سراحهم لمواجهة هؤلاء الخصوم, لكن هذه المواجهة انتهت باغتياله شخصيا بعد أن ظن أنهم فرغوا من مهمتهم التى أوكلها لهم.
ثم جاء من بعده مبارك ليسير في نفس الطريق, وعلى نفس النهج, حيث قرر منذ البداية استمالة الجماعة الإرهابية وعقد صفقات تحتية مع قيادتها عبر أجهزته الأمنية, تمكنت على أثرها الجماعة من التغلغل وبناء النفوذ داخل بنية المجتمع المصري, انتظارا للفرصة التي يمكن من خلالها الانقضاض على السلطة السياسية وانتزاعها, وساعدتهم على ذلك سياسات مبارك المنسحبة من الأدوار الرئيسية للدولة وتخليها عن مسؤوليتها الاجتماعية والاقتصادية تجاه مواطنيها, مما خلق فراغ تمكنت هذه الجماعة وحلفائها الإرهابيين من ملئه خاصة في الأحياء والمناطق الأكثر فقرا في الريف والحضر.
ومن خلال التحليلات في مقالات سابقة حاولنا طرح مجموعة من الخيارات المتاحة أمام جماعة الإخوان الإرهابية, فعبر قراءة علمية نقدية في أدبيات الجماعة الفكرية, وحركتها التنظيمية, وتجاربها التاريخية, داخل المجتمع المصري والعربي, توصلنا إلى ثلاثة خيارات متاحة أمام الجماعة بعد هزيمتها في 30 يونيو 2013 في مصر وهى: إلى الأمام, والاعتذار عن الفشل وإعادة النظر في تجربتهم والاندماج مرة أخرى في المجتمع بعد مصالحة يتم على أثرها معاقبة من أخطأ, والخيار الثانى هو: إلى الخلف, وخوض مواجهة مفتوحة مع الجميع الشعب ومؤسسات الدولة والسلطة السياسية, وهذا خيار اللاعودة فإما الانتصار باستخدام الإرهاب على الشعب ومؤسسات الدولة والسلطة السياسية, أو الانتحار والنهاية الأبدية, والخيار الثالث هو: في المكان, وإتباع مبدأ التقية والعودة مرة أخرى لعقد صفقات وتحالفات مرحلية ومؤقتة مع السلطة السياسية, كما كان يحدث في الماضى, وهى لعبة تجيدها الجماعة تاريخيا, بل هى جزء من عقيدتها حيث اتقاء شر السلطة السياسية حين تكون الجماعة في مرحلة استضعاف, وهو ما تم على مدار حكم مبارك, ثم انتهاز الفرصة للانقضاض عليه والإطاحة به والجلوس محله, وهى المرحلة التي تعرف بمرحلة الاستقواء والتمكين.
وكنا قد أكدنا عبر الشواهد والأدلة والبراهين أن الجماعة تسير بالفعل في اتجاه اللاعودة أى الخيار الثاني إلى الخلف, لكننا لم نستبعد الخيار الثالث وهو في المكان, لأنها لعبة تجيدها الجماعة الانتهازية تاريخيا وبشكل كبير, لكننا الآن نستطيع أن نحسم الأمر, فالجماعة عبر السنوات الثمان الماضية قد حسمت أمرها وقررت خوض معركة إلى الخلف للنهاية, وذلك من خلال تحالفها مع باقى الجماعات الإرهابية التي خرجت من تحت عباءتها تاريخيا والتي تطلق على نفسها مسميات مختلفة – سلفية وجهادية وغيرها – حيث تعددت العمليات الإرهابية المدعومة من بعض القوى الدولية والإقليمية المساندة للتنظيم الدولي للجماعة الإرهابية والتي تسعى لتقسيم وتفتيت مصر والوطن العربي ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد.
وخلال الثمان سنوات الأخيرة كانت حصيلة مواجهة مجتمعاتنا مع الجماعة الإرهابية هزيمة وانهيار أمام الجيش المصري, ثم انهيار وهزيمة في سورية تحت أقدام الجيش العربي السوري, ثم هزيمة قبل أيام قليلة في تونس بعد انتصار الرئيس قيس سعيد لإرادة الشعب, ثم كانت الخاتمة هزيمة مدوية بالمغرب وعبر صناديق الاقتراع وهو ما يعبر عن عودة الوعي للشعب المغربي, حيث فقد حزب العدالة والتنمية الإخواني معظم مقاعده في مجلس النواب الذي سيطر على الأغلبية فيه على مدار عشر سنوات, وصلت للذروة في انتخابات 2016 حيث حصد 125 مقعدا, فقدها في الانتخابات الأخيرة ليحصل على 12 مقعدا فقط وهي هزيمة وصفها المتابعين بالنكراء, وتعد انهيار حقيقي للمشروع الإخواني, سوف تتبعه هزائم أخرى للمشروع في ليبيا بعد محاصرة مصر لتركيا ووضعها لخطوط حمراء لم يتمكن أردوغان من تجاوزها, في ظل تراجع شعبية حزبه بالداخل التركي مما ينبأ بانهيار وشيك, وسوف يضطر الأمريكي وحلفائه الأوروبيين التخلي عن دعم التنظيم الدولي الإخواني الذي لم يعد ينفذ لهم ما يريدون.
لكن يجب أن يعي الشعب العربي والسلطة السياسية في بلداننا معا أن المعركة الراهنة, هى الخيار الأخير أمام هذه الجماعة الإرهابية, وعلينا جميعا أن نتوحد تحت مظلة الوطن فالمعركة لا يمكن أن تحسم من خلال الأجهزة الأمنية فقط – جيش وشرطة – وإنما تحتاج لمواجهة مجتمعية شاملة على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية والإعلامية, وليدرك الجميع أن هذه المعركة ستطول ولن تحسم قريبا, فالظهير الاجتماعي للجماعة الإرهابية متغلغل داخل بنية المجتمع العربي وداخل كافة المؤسسات لذلك يجب مواجهته والقضاء عليه, اللهم بلغت اللهم فاشهد.