كتبت : شمس وليد
تمثل صناعة التأمين إحدى الركائز الأساسية في استقرار الاقتصاديات الحديثة، لما توفره من حماية مالية للأفراد والمؤسسات عبر إدارة المخاطر وتحويلها. ويبرز في قلب هذه الصناعة الخبير الاكتواري، باعتباره العقل المفكر الذي يضمن استدامة القطاع ويوازن بين المخاطر والعوائد من خلال أدوات رياضية وإحصائية دقيقة.
تعد العلوم الاكتوارية فرعًا من الرياضيات التطبيقية يهتم بتقييم المخاطر المالية في ظل ظروف عدم اليقين. ويطبق الاكتواريون هذه العلوم في حساب الأقساط، تحديد الاحتياطيات، وتحليل البيانات لتوقع الأحداث المستقبلية. وبذلك تصبح هذه العلوم الركيزة الأساسية لتسعير المنتجات التأمينية، وضمان عدالة التغطيات المالية، واستقرار الشركات.
لم يعد دور الخبير الاكتواري مقتصرًا على الحسابات الفنية أو إعداد التقارير، بل أصبح شريكًا استراتيجيًا في صناعة القرار. ومع تطور التكنولوجيا وظهور مخاطر جديدة مثل التغير المناخي والهجمات السيبرانية، باتت تحليلات الاكتواريين عنصرًا رئيسيًا في وضع الاستراتيجيات، تقدير رأس المال الاقتصادي، ودعم الحوكمة الرشيدة.
يسهم الاكتواري في تعزيز استقرار شركات التأمين من خلال إدارة الاحتياطيات المالية، إجراء اختبارات الملاءة، وضبط الأسعار بما يتناسب مع مستوى المخاطر. كما يلعب دورًا محوريًا في دعم الجهات الرقابية عبر تطبيق معايير مثل IFRS 17، وضمان حماية حقوق حملة الوثائق، مما يعزز ثقة المتعاملين في القطاع ويمنع حدوث أزمات مالية نظامية.
في ظل ندرة الكفاءات الاكتوارية، أطلقت الهيئة العامة للرقابة المالية بالتعاون مع اتحاد شركات التأمين المصرية عدة مبادرات لتأهيل كوادر جديدة. شملت هذه المبادرات بروتوكولات تعاون مع الجامعة الأمريكية وجامعة القاهرة، لتقديم برامج ودبلومات مهنية متخصصة في العلوم الاكتوارية، بجانب توفير منح دراسية كاملة للطلاب وتدريب عملي بشركات التأمين. كما يستعد الاتحاد للمشاركة كشريك استراتيجي في الملتقى الإقليمي لجمعية الخبراء الاكتواريين بالقاهرة سبتمبر 2025، في خطوة تستهدف تعزيز مكانة المهنة إقليميًا.
أكد اتحاد شركات التأمين أن الخبير الاكتواري ليس مجرد محلل أرقام، بل مهندس مالي يضمن نجاح القطاع عبر تقييم المخاطر المعقدة، تطوير المنتجات، وتحديد الأسعار العادلة. وفي ظل التحديات التي تواجه السوق المصري، يمثل الاستثمار في هذه المهنة رهانًا استراتيجيًا لبناء قطاع تأميني قوي قادر على حماية ثروات الأفراد، جذب الاستثمارات، ودعم استقرار النظام المالي الوطني.
