
كتبت : شمس وليد
يشهد العالم خلال العقدين الأخيرين تحولات جذرية في مجال التحول الرقمي، حيث أصبحت التكنولوجيا الرقمية عنصرًا رئيسيًا في الأنشطة الاقتصادية والمالية. ومن أبرز هذه التحولات الاعتماد على الهوية الرقمية كبديل معاصر للهوية التقليدية، بما يوفر تفاعلًا أسرع وأكثر أمانًا بين الأفراد والمؤسسات. وفي صناعة التأمين، التي ترتكز على الثقة وحماية البيانات، تبرز الهوية الرقمية كأداة استراتيجية لتطوير عمليات الاكتتاب وتسوية المطالبات، وتعزيز تجربة العملاء.
الهوية الرقمية تمثل مجموعة من البيانات الإلكترونية التي تعرّف الفرد أو المؤسسة في البيئة الرقمية، وتشمل المعلومات الشخصية الأساسية، البيانات البيومترية مثل بصمات الأصابع والتعرف على الوجه، والبيانات السلوكية المرتبطة بعادات الاستخدام، بالإضافة إلى بيانات الاعتماد مثل أسماء المستخدمين وكلمات المرور. هذه المكونات تجعل الهوية الرقمية أداة شاملة يمكن الاعتماد عليها في تقديم خدمات مالية وتأمينية دقيقة وآمنة.
وفيما يتعلق بإدارة المخاطر، تتيح الهوية الرقمية لشركات التأمين أدوات أكثر كفاءة لتقييم المخاطر والتحقق من هوية العملاء، بما يقلل من الاحتيال ويحسن اتخاذ القرارات. كما تسهم في تحسين نمذجة المخاطر عبر تحليل بيانات العملاء وسلوكياتهم، وكشف الاحتيال من خلال المصادقة متعددة العوامل والتحقق البيومتري، إلى جانب دعم الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالمخاطر المحتملة واتخاذ إجراءات استباقية، مثل توقع الكوارث الطبيعية وتقليل آثارها على العملاء.
ولا يقتصر دور الهوية الرقمية على إدارة المخاطر فحسب، بل يمتد إلى تعزيز حماية العملاء وتقديم تجربة أكثر تميزًا. فهي تمكّن من تخصيص المنتجات التأمينية بما يتناسب مع احتياجات العملاء الفردية، وتسهيل التفاعل عبر قنوات متعددة مثل التطبيقات والمواقع الإلكترونية، ما يمنح العملاء القدرة على إدارة وثائقهم بأنفسهم بسهولة وأمان. كما تساهم في بناء الثقة والشفافية من خلال حماية البيانات وضمان سرية استخدامها، وهو ما يعزز ولاء العملاء على المدى الطويل.
وفي مواجهة التحديات المرتبطة بالتحول الرقمي، تظهر العديد من الحلول المستقبلية لتعزيز الأمان، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي والأتمتة التي تدعم اكتشاف الأنماط الاحتيالية وتقديم دعم سريع للعملاء عبر الروبوتات الذكية. وقد نجحت عدة تجارب دولية في هذا المجال، أبرزها تجربة إستونيا التي تبنت بطاقة الهوية الإلكترونية المبنية على تقنية Blockchain، مما أتاح للمواطنين الحصول على خدمات تأمينية وصحية رقمية متكاملة. كما قدمت الهند نظام “Aadhaar” كأكبر هوية حيوية في العالم لدعم خدمات التأمين والدفعات الإلكترونية، فيما اعتمدت سنغافورة نظام “MyInfo” الذي يتيح مشاركة البيانات الشخصية بشكل مباشر وآمن مع شركات التأمين لتسريع الاشتراك والخدمات.
وتظهر تطبيقات عملية واضحة لهذه التجارب، منها استخدام الهوية الرقمية في ربط بيانات القيادة من أجهزة الاستشعار لتقديم تأمين قائم على السلوك الفعلي للسائق، إضافة إلى تسريع تسوية المطالبات من خلال التحقق الرقمي وتبادل بيانات الهوية بين الأطراف، وهو ما يقلل من الوقت المستغرق ويحد من الاحتيال.
وفي مصر، اتخذت الهيئة العامة للرقابة المالية خطوات تنظيمية مهمة عبر إصدار القرار رقم 140 لسنة 2023 (المعدل في مارس 2025)، الذي يعد أول إطار تشريعي لضبط الهوية الرقمية والعقود الرقمية في الأنشطة المالية غير المصرفية. وحدد القرار آليات إنشاء وتجديد الهوية الرقمية من خلال عمليات التحديد والتحقق والمصادقة باستخدام مزيج من عوامل المعرفة (مثل كلمة المرور والأسئلة الشخصية)، وعوامل الحيازة (مثل الهاتف المحمول والتوقيع الإلكتروني)، والعوامل البيومترية (مثل بصمة الوجه أو العين)، بما يضمن أعلى مستويات الأمان.
ويرى اتحاد شركات التأمين المصرية أن الهوية الرقمية تمثل ركيزة أساسية لتطوير القطاع محليًا ودوليًا، كونها ترفع كفاءة العمليات وتقلل الاحتيال وتعزز الشمول التأميني. وأكد الاتحاد التزامه بدعم جهود التحول الرقمي وتشجيع الشركات على تبني الهوية الرقمية باعتبارها خطوة استراتيجية لمستقبل أكثر استدامة. كما دعا إلى الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والشراكات مع مزوّدي التكنولوجيا لتعزيز قدرات إدارة المخاطر وحماية العملاء.
ومع تزايد الوعي العالمي بأهمية حماية البيانات، يتضح أن الهوية الرقمية الموثوقة أصبحت مفتاحًا رئيسيًا لتطوير قطاع التأمين المصري، بما يفتح المجال لفرص جديدة تضمن مستقبلًا أكثر أمانًا ومرونة لكل من الشركات والعملاء.