مقالات

البحث عن الأصابع الأمريكية !!

بقلم دكتور / محمد سيد أحمد


تمت دعوتي هذا الأسبوع وعبر عدد من المنابر الإعلامية والصحفية لمناقشة وتحليل أربع ملفات رئيسية تشغل الرأي العام المصري والعربي, وكان الملف الأول هو مرور عشر سنوات على الحرب الكونية على سورية, وما هى آفاق حل الأزمة السورية بعد كل هذه السنوات ؟, والملف الثاني هو محاولات تركيا إعادة العلاقات مع مصر, وهل هناك إمكانية لذلك ؟, والملف الثالث هو التقارير الصادرة عن حقوق الإنسان في مصر من بعض المنظمات الدولية والتي تدين الدولة المصرية, وما هو المقصود من هذه التقارير في الوقت الراهن ؟, والملف الرابع هو فشل مفاوضات سد النهضة وإصرار إثيوبيا على الملء الثاني في موعده أغسطس المقبل, وما هى السبل المطروحة قبل فوات الأوان ؟, وبتأمل الملفات الأربعة فأننا لا يمكن أن نغفل الأصابع الأمريكية التي تتلاعب بأمننا القومي المصري والعربي عبر كل ملف.

وفيما يتعلق بالملف الأول وهو مرور عشر سنوات على الحرب الكونية على سورية, فيمكننا التأكيد على أن الدولة السورية لم تخض الحرب ضد بعض المعارضين كما حاولوا أن يوهمون الرأي العام في البداية, ولم تخوضها أيضا ضد الجماعات التكفيرية الإرهابية التي انتشرت على كامل الجغرافيا العربية السورية والتي تم جلبها من أكثر من مئة دولة حول العالم, بل يمكننا القول وبعد مرور عشر سنوات أن المعارضة المصطنعة والوكلاء الإرهابيين كانوا ينفذون الأجندة الأمريكية في هذا الشأن ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد, وبالنظر لما حدث خلال العشر سنوات نستطيع القول بما لا يدع مجال للشك أن سورية قد انتصرت بفضل صمود شعبها الأسطوري وبسالة جيشها وشجاعة قائدها, على الرغم من تسليمنا بأن خسائر المعركة فادحة, وأن الحرب لازالت مستمرة فالعدو الأمريكي يحاول تحويل هزيمته العسكرية عبر وكلاؤه الإرهابيين لانتصار من خلال الحصار الاقتصادي في الوقت الذي يسيطر هو وحلفائه على كل مصادر الطاقة ومصادر الغذاء في الشمال السوري, فمن انتصر على الموت حتما سينتصر على الجوع.

أما الملف الثاني والخاص بحقوق الإنسان في مصر والذي تصدر المشهد عبر البيان الصادر من 31 دولة أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية, والذي طالب مصر بالتوقف عن استغلال قوانين مكافحة الإرهاب لتكميم أفواه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين وحبسهم على حد زعمهم, وأعرب البيان عن قلق الدول الموقعة عليه من وضع حقوق الإنسان في مصر ومن تقليص الحيز المتاح للمجتمع المدني والمعارضة السياسية وتطبيق قانون مكافحة الإرهاب في حق منتقدين سلميين, وفي نفس التوقيت يصدر تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الأمريكية المشبوهة والتى وجهت اتهامات باطلة للجيش المصري بأنه هدم أكثر من 12 ألف و300 مبنى سكني وتجاري و6000 هكتار من المزارع منذ العام 2013 في سيناء أثناء مواجهاته مع الجماعات الإسلامية المسلحة على حد زعمهم, وطالب نائب مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة جو ستورك أنه ” يتعين على الحكومة المصرية أن توقف الطرد التعسفي والهدم, والإسراع بصرف التعويضات العادلة بشكل شفاف للجميع, وضمان عودة السكان المطرودين إلى ديارهم في أسرع وقت ممكن “, وبالطبع لم يفتح هذا الملف إلا مع التغيير في الإدارة الأمريكية حيث صعود الديمقراطيين الذين يستخدمون تاريخيا ورقة حقوق الإنسان كذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول, مغفلين ما يحدث من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان داخل مجتمعهم, مسجلة وموثقة بالصوت والصورة وما حدث في غزوة الكونجرس مؤخرا خير شاهد وخير دليل.

وجاء الملف الثالث ببشائر حول عودة العلاقات المصرية – التركية عبر تصريحات متعددة من الساسة الأتراك تلك العلاقات المقطوعة تقريبا منذ منتصف العام 2013 على أثر الإطاحة بجماعة الإخوان الإرهابية من سدة الحكم حيث وصف الساسة الأتراك انتفاضة الشعب وانحياز الجيش لها بأنها انقلاب, ترتب عليه فتح أبواب تركيا على مصراعيها أمام الفارين والهاربين من قيادات الجماعة الإرهابية والسماح لهم بإنشاء منصات سياسية وإعلامية للهجوم على الدولة المصرية ( شعبا وجيشا وقيادة ), ولم تكتفي تركيا بذلك بل دعمت الجماعات التكفيرية الإرهابية في سيناء والتي خاض الجيش المصري معارك ضارية في مواجهتها عبر السبع سنوات الماضية, وفي نفس التوقيت اتجه الأتراك إلى الشمال السوري محتلين الأرض وداعمين للإرهاب في تهديد غير مباشر للأمن القومي المصري, ثم اتجهوا أخيرا إلى ليبيا ومعهم ألاف الإرهابيين في تهديد مباشر للأمن القومي المصري, وبالطبع لم تكن التحركات التركية ضد مصر ومحيط أمنها القومي المباشر وغير المباشر إلا تنفيذا للأجندة الأمريكية, لذلك يجب الانتباه جيدا بأن محاولات العودة والتقرب ليست بعيدة عن تعليمات السيد الأمريكي.

وأتى الملف الرابع المتعلق بأزمة سد النهضة عبر تصريحات وزير المياه والري الأثيوبي سيلشي بيكيلي الذي أعلن عن الملء الثاني للسد في موعده أغسطس القادم, بعد فشل كل المفاوضات ورفض إثيوبيا المقترح المصري – السوداني بشأن مشاركة الوساطة الرباعية الدولية ( الأمم المتحدة – الاتحاد الأوروبي – الاتحاد الإفريقي – الولايات المتحدة ), ولا يمكن فهم هذا الرفض والتعنت الإثيوبي في مفاوضات سد النهضة ضاربة بالمعاهدات والاتفاقيات والقوانين الدولية المنظمة للأنهار عرض الحائط بعيدا عن الدعم الأمريكي لها, خاصة في ظل تصريحات الإدارة الأمريكية برفض لعب دور الوسيط في عهد جو بايدن.

إذا فأي محاولة لفهم ما يحدث في ملفات الأمن القومي المصري والعربي يجب أن لا تذهب بعيدا عن البحث عن الأصابع الأمريكية, وأعتقد أن القيادة المصرية تدرك ذلك جيدا, وتتصرف بحكمة شديدة في هذه الملفات المؤثرة على الأمن القومي المصري والعربي, وما على الرأي العام المصري في اللحظة الراهنة إلا الثقة والدعم الكامل للقيادة السياسية والوقوف خلفها لتتمكن من نزع فتيل أي انفجار محتمل, اللهم بلغت اللهم فاشهد.

بقلم/ د. محمد سيد أحمد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى